من آيات الله في الحيوانات

من آيات الله في الحيوانات



بقلم الأستاذ محمد محمد معافى علي المهدلي
تمهيد :
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونسترشده ونؤمن به ونتوكل عليه ونصلي ونسلم على سيد الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
فإننا في عصر العلم وزمن التقدم والسبق الفكري وللأسف أن الأمة الإسلامية تعيش بعيدا عن هذا العصر القائم على العلم والتجربة العلمية والتفكر والتأمل والاستنتاج وهذه المنهجة ـ في الحقيقة ـ منهجية إسلامية محضة سبقنا إليها الغرب المادي وإنه لأجدر بهذه الأمة أن تعود إلى دينها الدين الحق الذي يدعوا إلى التفكر والتدبر وهو دعوة للناس جميعا إلى التفكر والتدبر في الخلق والمخلوقات كما قال تعالى : )أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون)[1][2]1
وقال تعالى:(قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ)2
ولقد لفت القرءان العظيم الأنظار والعقول من أول يوم للرسالة إلى التأمل والتفكر في شأن المخلوقات لاسيما في الأنعام والحيوانات كونها ألصق بالعرب وبحياتهم ولا يعرفون إلا هي كما قال تعالى :

(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ000)3وإحياءا لمنهج التفكر في المخلوقات الذي دعانا إليه الإسلام أقدم هذا البحث الذي أسأل الله أن ينفع به المسلمين وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لقاه0

وقد جعلت قوله تعالى :

(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)4 وهو عنوان هذا البحث 
وقد واجهتني كثيرا من الصعاب من أهمها ندرة المراجع العلمية وضيق الوقت وكثرة الشواغل ولكن كان المعين لي بعد الله تعالى وتوفيقه مركز بحوث جامعة الإيمان الذي أمدني بكثير من المراجع المتعلقة بالموضوع بالإضافة إلى مكتبة الجامعة فلا أنسى أن أسجل هنا كلمة شكر وتقدير وعرفان لجامعة الإيمان ـ حماها الله ـ ومركزها ، هذا وكانت خطتي في البحث على النحو التالي :
وقد قسمت هذه الدراسة إلى أربعة مباحث وهي :
المبحث الأول ويشتمل على خمسة مباحث هي :
المطلب الأول :أقوال اللغويين في الآية 0
المطلب الثاني : أقوال المفسرين والعلماء في الآية0
المطلب الثالث: المراد بالمثلية في الآية 0
المطلب الرابع :الأممية لدى الحيوانات0
المطلب الخامس:العبودية لدى الكائنات
المبحث الثاني :الجوانب العلمية التي أكتشفها العلم الحديث في التماثل بين الإنسان وسائر الكائنات على وجه الأرض ( السلوكيات والأخلاق) :
ويشتمل على ستة مطالب وهي :
المطلب الأول :البيت الزوجي لدى الحيوانات0
المطلب الثاني: الجنس لدى الحيوانات 0
المطلب الثالث :من أعاجيب الحيوانات في حياتها الجنسية
المطلب الرابع :أثر الرائحة العطرة في ثوران الغريزة الجنسية لدى الحيوانات 0
المطلب الخامس :تنظيم العملية الجنسية لدى الحيوانات0
المطلب السادس :الغيرة لدى بعض الحيوانات "البط "
المبحث الثالث :من أخلاقيات الحيوان ويشتمل على ستة مباحث وهي :
المطلب الأول :الوفاء والأمانة الزوجية لدى الحيوان 0
المطلب الثالث :التعاون والمحبة في عالم الحيوان "النحل "
المطلب الرابع :هداية الحمام وعجائب صنع الله فيه 0
المطلب الخامس :الهداية الإلهية للحيوان في البحث عن معاشه 0
المبحث الرابع غرائب الحيوان ويشتمل على المطالب التالية :
المطلب الأول :الإنسان يتعلم من الحيوان 0
المطلب الثاني:بعض الطيور تقلد أصوات البشر
المطلب الثالث :بعض الحيوانات تسبق الإنسان في معرفة بعض الأحداث والمعلومات 0
المطلب الرابع :اللغة السرية لدى الحيوانات "الأفيال والحيتان "في التخاطب فيما بينها المطلب الخامس :الهجرة كذلك في عالم الحيوان 0
المطلب السادس:كيف تهاجم الحيوانات فرائسها ؟
المطلب السابع:تبادل الأفكار لدى الحيوانات0
المطلب الثامن :الخداع والمكر لدى الحيوانات 0
المطلب التاسع :النحل اجتماعي جدا 0
المطلب العاشر :هل تنام الحيوانات ؟0
المطلب الحادي عشر :هل تحب الحيوانات الجمال أيضا ؟0
المطلب الثاني عشر :عيون الطيور تشبه عيون البشر 0
المطلب الثالث عشر : الوطنية في عالم الحيوان 0
المطلب الرابع عشر : جوانب من تفوق الحيوان على الإنسان 0
المطلب الخامس عشر :النمل يربي المواشي ويفلح الأرض 0
المطلب السادس عشر : الحيوانات تقيم الحدود الإسلامية0
المطلب السابع عشر :الحيوانات أيضا تستخدم الدواء وتتطبب كذلك0
كما أشتمل البحث على الخاتمة والفهرس والمراجع 0 فإلى المبحث الأول:
المبحث الأول تأصيل الجانب الشرعي حول الآية : ويشتمل على المطالب التالية :
المطلب الأول :أقوال اللغويين في الآية 0
المطلب الثاني : أقوال المفسرين والعلماء في الآية0
المطلب الثالث: المراد بالمثلية في الآية 0
المطلب الرابع :الأممية لدى الحيوانات0
المطلب الخامس:العبودية لدى الكائنات
المطلب الأول
مقدمة
القرءان العظيم وهو يخاطب البيئة العربية البدوية التي تعرف الناقة والجمل والخيل والبغال والطير و الغنم والشاء وغيرها من المخلوقات يلفت الأنظار إلى قدرة الباري سبحانه في خلقها وتكوينها وبديع صنعه فيها وهذا ما يعلل سر ذلك الحشد الهائل من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الأنعام فلا تكاد تجد سورة من القرءان إلا و فيها حديث أو إشارة إلى آيات الله وبديع صنعه في الأنعام بل لقد سميت بعض سور القرءان بأسماء بعض الأنعام نحو النمل والنحل والفيل والعنكبوت والبقرة والأنعام والعاديات أي الخيل وهكذا 0
وفي هذا استنهاض للعقول والأفئدة للتفكر في بديع صنع الله فيها وقدرته تعالى كما قال عز وجل(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) *50ومن ضمن الآيات القرءانية التي تحمل الإعجاز والتحدي للبشرية آية من كلام الله تعالى مهما كتب فيها الكاتبون وصنف فيها المصنفون فلن يحصوا ما فيها من علم إ لهي إذ تعجز الأقلام عن الخوض في لججها المتلاطمة(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي
لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا)6
إنها قوله تعالى :(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون)7 0
ومن أجل أن تتضح الآية لابد من أن نعرج على أقوال علماء اللغة وأئمة التفسير حول الآية 0
المطلب الثاني أقوال علماء اللغة في معنى الآية
معنى الأمة لغة :
قال في مختار الصحاح للإمام الرازي "والأمة الجماعة "
وقال في لسان الميزان "الأمة الجيل والجنس من كل حي "
وقال الأصفهاني في كتابه مفردات ألفاظ القرءان "والأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد سواء كان الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا ومنه قوله تعالى(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)أي كل نوع منها على طريقة قد سخره الله عليها بالطبع فهي ما بين ناسجة كالعنكبوت وبانية كالسرفة ـ وهي دويبة غبراء تبني بيتا حسنا تكون فيه وهي التي يضرب بها المثل فيقال أصنع من سرفة ـ ومنها المدخرة كالنمل ومعتمدة على قوته كالعصفور والحمام وغير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع "
المطلب الثاني أقوال المفسرين والعلماء في معنى الآية :
قال الإمام القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرءان "إلا أمم أمثالكم "أي هم جماعات مثلكم في أن الله خلقهم وتكفل بأرزاقهم وعدل عليهم فلا ينبغي أن تظلموهم ولا تجاوزوا فيهم ما أمر تم به "
وقال الزجاج "إلا أمم أمثالكم " قال في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص 0وقال مجاهد أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون 0 وقال سفيان ابن عيينة أي ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه فمنهم من يعدوا كالأسد ومنهم من يشره كالخنزير ومنهم من يعوي كالكلب ومنهم من يزهوا كالطاووس فهذا معنى المماثلة 0واستحسن الخطابي هذا وقال فإنك تعاشر البهائم والسباع فخذ حذرك 0ثم عقب الإمام القرطبي على هذه الأقوال وغيرها بقوله "وقيل غير هذا مما لا يصح والصحيح ـ إلا أمم أمثالكم ـ في كونها مخلوقة دالة على الصانع محتاجة إليه مرزوقة من جهته كما أن رزقكم على الله "وقول سفيان أيضا حسن فإنه تشبيه في واقع الوجود "أ0ه كلام الإمام القرطبي ثم قال قوله تعالى "بجناحيه "مع أن الطائر لا يطير إلا بجناحيه فذكرهما ليتمحض القول في الطير 0"وقال الإمام جلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور في التفسير بالمأثور "أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله عز وجل "إلا أمم أمثالكم "قال خلق مثلكم "0
وقال في تفسير الجلالين للإمام السيوطي "إلا أمم أمثالكم "ـ في تدبير خلقها ورزقها وأحوالهم"أه
وقال الإمام الطبري في هذه الآية في تفسيره جامع البيان عن تأويل القرءان "جعلها أجناسا مجنسة وأصنافا مصنفة تعرف كما تعرفون وتتصرف فيما سخرت له كما تتصرفون ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها ومثبت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب "
وقال الإمام الشوكاني في الفتح "(بجناحيه ) لدفع الإبهام ،لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير كقولهم طر في حاجتي أي أ سرع وقيل إن إعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران ،ومع عدم الاعتدال يميل فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين وقيل ذكر الجناحين للتأكيد كضرب بيده وأبصر بعينيه ونحو ذلك والمعنى :ما من دابة من الدواب التي تدب في أي مكان من أمكنة الأرض ،ولا طائر يطير في أي ناحية من نواحيها (إلا أمم أمثالكم )أي جماعات مثلكم خلقهم الله كما خلقكم ورزقهم كما رزقكم ،داخلة تحت علمه وتقديره وإحاطته بكل شيء 0
ثم سرد ـ رحمه اللـه ـ أقوال المفسرين في الآية ثم قال والأولى أن تحل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائنا ما كان "0أه
وقال الإمام ابن القيم "وقال الخطابي ما أحسن ما تأول سفيان ـ يعني ابن عيينة ـ هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعا لظاهره وجب المصير إلى باطنه وقد أخبر الله عن وجود المماثلة بين الإنسان وبين كل طائر ودابة وذلك ممتنع من جهة الخلقة والصورة وعدم من جهة النطق والمعرفة فوجب أن يكون منصرفا إلى المماثلة في الطباع والأخلاق 0 ثم علق ابن القيم قائلا والله سبحان قد جعل بعض الدواب كسوبا محتالا وبعضها متوكلا غير محتال وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنته وبعضها يتكل على الثقة بأن له في كل يوم قدر كفايته رزقا مضمونا وأمر مقطوعا وبعضها لا يعرف ولده البتة وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه وبعضها تضيع ولدها وتكفل ولد غيرها وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها وبعضها يدخر وبعضها لا تكسب له وبعض الذكور يعول ولده وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف علبه 0وجعل بعض الحيوانات يتمها من قبل أمهاتها وبعضها يتمها من قبل آبائها وبعضها لا يلتمس الولد وبعضها يستفرغ الهم في طلبه وبعضها يعرف الإحسان ويشكره وبعضها ليس ذلك عنده شيئا وبعضها يؤثر على نفسه وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمة من جنسه لم يدع أحدا يدنوا منه وبعضها يألف بني آدم ويأنس بهم وبعضها يستوحش منهم وينفر غاية النفار منه وبعضها لا يأكل إلا الطيب وبعضها لا يأكل ألا الخبائث وبعضها يجمع بين الأمرين وبعضها لا يؤذي إلا من بالغ في أذاها وبعضها يؤذي من لا يؤذيها وبعضهم حقود لا ينس الإساءة وبعضها لا يذكرها البتة وبعضها لا يغضب وبعضها يشتد غضبه فلا يزال يسترضى حتى يرضى وبعضها عنده علم ومعرفة بأمور دقيقة لا يهتدي إليها أكثر الناس وبعضها لا معرفة له بشيء من ذلك البتة وبعضها يستقبح القبيح وينفر منه وبعضها الحسن والقبيح سواء عنده وبعضها يقبل التعليم بسرعة وبعضها مع الطول وبعضها لا يقبل ذلك بحال "أه كلام ابن القيم 0[3] وقال أيضا الإمام ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام "والأمة الجماعة المتساوية في الخلقة والزمان قال تعالى (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون)[4]
وقال أيضا في الجواب الكافي حيث أورد كلام سفيان ابن عيينة في الآية "قال منهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب وأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه لحما كتطوس الطاوس في ريشه ومنهم من يكون بليدا كالحمار ومنهم من يؤثر على نفسه كالديك ومنهم يألف ويؤلف كالحمام ومنهم الحقود كالجمل ومنهم الذي خير كله كالغنم ومنهم أشبه الذئاب ومنهم أشباه الثعالب التي يروغ كروغانها 0وقد شبه الله أهل الجهل والغي بالحمر تارة وبالكلب تارة وبالأنعام تارة وتقوى هذه المشابهة باطنا حتى تظهر في الصورة الظاهرة ظهورا خفيا يراه المتفرسون ويظهر في الأعمال ظهورا يراه كل أحد ولا يزال يقوى حتى تعلوا الصورة فتنقلب له الصورة بإذن الله وهو المسخ التام0 فيقلب الله الصورة الظاهرة على صورة ذلك الحيوان كما فعل باليهود وأ شباههم ويفعل بقوم من هذه الأمة ويمسخهم قردة وخنازير "أه [5] وقال أيضا ابن القيم في شفاء العليل (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)قال "وهذا يتضمن أنها أمم أمثالنا في الخلق والرزق والتقدير الأول وأنها لم تخلق سدى " [6]
ويقول سيد قطب في ظلاله حول هذه الآية "إنه ما من دابة تدب على الأرض وهذا يشمل كل الأحياء من حشرات وهوام وزواحف وفقاريات وما من طائر يطير بجناحيه في الهواء وهذا يشمل كل طائر من طير أو حشرة وغير ذلك من الكائنات الطائرة ،ما من خلق حي في هذه الأرض كلها إلا وهو ينتظم في أمة ذات خصائص واحدة وذات طريقة في الحياة واحدة كذلك شأنها في هذا شأن أمة الناس ما ترك الله شيئا من خلقه بدون تدبير يشمله وعلم يحصيه ،وفي النهاية تحشر الخلائق إلى ربها فيقضي بأمرها ما يشاء "أه [7]
وبعد أن سردنا أقوال علماء اللغة وعلماء التفسير نشرع في بيان معنى المثلية في الآية 0
يمكننا مما سبق من كلام علماء اللغة والتفسير في المراد بالتماثل في قوله تعالى (إلا أمم أمثالكم )وبجمع أقوالهم في الآية يتبين لنا أن المراد بالتماثل بين الدواب والإنسان إنما هو في بعض الجوانب وليس المراد هو التماثل التام من كل وجه إذ لو وقع هذا لكان الإنسان حيوانا كسائر الحيوانات وهو محال عقلا وشرعا 0
أما عقلا فمعلوم وأما شرعا فإن الله عز وجل قد كرم بني آدم على سائر الكائنات وفضلهم على كثير من خلقه كما قال تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى

كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [8]
ولو قلنا بالتماثل من كل وجه لقلنا برفع التكليف عن بني آدم شأنهم في ذلك شأن البهائم والدواب وهو محال شرعا وإنما المراد ـوالله أعلم ـ هو التماثل والتشابه السلوكي والخلقي والطبعي كما قال الإمام الخطابي والشوكاني والقرطبي وغيرهم ـ كما سبق بيانه

ويدل على صحة هذا القول الحديث الصحيح "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فا قتلوا منها الأسود البهيم [9]" فسمى النبي صلى الله عليه وسلم الكلاب أمة من الأمم أي في الخلق والتدبير والأفعال والأعمال والسلوكيات ومحال تماثل الكلب لكل الأمم من كل الوجوه

اضغط هنا للانتقال الي القسم الثاني من الموضوع ===>> 
منقول للأمانة من موسوعة الاعجاز العلمي في القران
Share this article :

إرسال تعليق

رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية

طريقة التسجيل

BBC

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. روح الاسلام - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Published by Mas Template
Proudly powered by Blogger تعريب ساهر حسن صاحب مدونه عاشق بلوجر